تجتاح الاحتجاجات لبنان منذ 17 تشرين الأول أكتوبر، الأمر الذي يفرض مزيداً من الضغوط على النسق المالي ويعمق أزمة عملة صعبة تحظر مستوردين كثيرين من جلب المنتجات، الشأن الذي يدفع التكاليف للزيادة ويزيد المخاوف من حدوث تداعي مالي.
أتت رد فعل المصارف التي قيدت حدود السحب للورقة النقدية الأجنبية وأوقفت إلى حد ما جميع التحويلات إلى الخارج لتلقي بضبابية زاخرة على كثير من المودعين.
وصرح منير فقيه، وهو متقاعد يبلغ 66 عاماً ومدخراته بالعملة الأجنبية هي ثمرة عمله في الخارج 17 عاماً، ”يبقى إرتباك، توتر عارم: إذا كنت ادخرت خلال حياتي لجمع مِقدار ووضعته هنا، فأين سيذهب؟“.
وتابع ”نحن في أزمة كبيرة، وأنا قلق بشكل كبير على مدخراتي“.
ووصف رئيس هيئة بنوك لبنان في مؤتمر مع رويترز الأسبوع السابق القيود بأنها ”حد لحماية النظام“ حتى ترجع الأمور إلى طبيعتها، وتحدث مصرف لبنان المركزي إن الودائع آمنة.
إلا أن التوتر يتنامى، فقد شهدت القيود على السحب بالعملة الخضراء مزيداً من التشديد منذ بداية تنفيذها في أول تشرين الثاني نوفمبر.
وخفض بنك بلوم واحد من أضخم المصارف في لبنان، بشكل متدرج الحد الأقصى الأسبوعي للسحب من 2500 دولار إلى خمسمائة دولار ذاك الأسبوع للمودعين الذين تقل حساباتهم عن مائة 1000 دولار، وفي بنك عوده يصل الحد الأقصى ثلاثمائة دولار.
وهزت الحالة الحرجة الثقة في منظومة مصرفي ظل أحد زوايا استقرار لبنان ما عقب الحرب.
ودور المصارف هام في الإطار بواسطة جلب الدولارات من الجاليات اللبنانية الهائلة بالخارج، واستخدامها في دفع نفقات البلد المثقلة بالديون والعجز التجاري للبنان.
وفي واصل عدم تسمية الزعامات الطائفية المنقسمة رئيس مجلس وزراء جديدا منذ دفعت الاحتجاجات سعد الحريري للاستقالة في 29 تشرين الأول أكتوبر، تتأخر إصلاحات أساسية لانتشال الاقتصاد من الحالة الحرجة، ويخاف المودعون من أن نقودهم لم تعد في مأمن.
وصرح مودع عرف ذاته باسم مايكل، وهو قلق على مدخراته التي جمعها طوال سبع سنين من العمل في إفريقيا، ”لا أثق في إدارة الدولة حينما يقولون إن أموالي آمنة في المصارف بسبب انعدام مصداقيتهم، ذاك ما اكتشفناه“.
وتحدث مروان ميخائيل مدير الأبحاث عند بنك بلوم إنفست ”يسحب الناس الثروة أسبوعياً، بالقدر الذي يتيح لهم به البنك، المشكلة أن المصارف لا تعرف إلى متى ستظل تلك الحالة الحرجة، لذلك يأخذون في الحسبان التوق إلى الاستمرار لأقصى وقت ممكن“.
صرح بعض المودعين إنهم سيسحبون باقي مدخراتهم إذا استطاعوا، مبدين ندمهم على أنهم لم يفعلوا هذا مسبقاً.
وتحدث أنطوان بويز (42 عاماً) ويعمل في الخدمات المالية ”نحن في حيرة تامة، لا أدري ما هو آمن وما هو ليس بآمن“، موضحاً بالإضافة إلى ذلك أن الحد الأقصى للسحب الأسبوعي البالغ خمسمائة دولار لا يكاد يغطي احتياجاته.
وتسببت الاحتجاجات التي أطلقها الغضب من طبقة حاكمة يراها المعارضون تنهب لبنان، في إبطاء اقتصاد هش فعلياً وقامت مؤسسات متعددة بتسريح عاملين أو قلل الأجور وتشغيل العمال بدوام جزئي.
وعلى الساعين للدولارات الاعتماد على سوق سوداء باهظة الثمن، حيث كانت الليرة متدنية أربعين بالمئة عن تكلفة الاستبدال المعترف به رسمياً يوم الثلاثاء.
وينوء لبنان بأحد أعلى معدلات الدين العام في العالم، ومن المتوقع أن تتعرض احتياطيات النقد الأجنبي عنده لمزيد من الضغوط ذاك الأسبوع حينما يحل استحقاق سندات عالمية بسعر 1.5 مليار دولار.
وتحدث مودع كان عليه أن يُثبت أنه في احتياج لشراء علاج لوالدته ليستطيع من سحب 1000 دولار ”البنك يجعلك تشعر أنك تتسول للاستحواذ على مالك.
”أشك أن يرجع اللبنانيون إلى وضع نقودهم في المصارف“.